تعد الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة الأمريكية أحد أهم الأحداث المؤثرة في أسواق المال العالمية. وتتمثل أهميتها في أن كل رئيس أمريكي يتميز بسياسة خاصة وبطريقة فريدة لإدارة البلاد. وبطبيعة الحال، سيقرر الرئيس آلية تعامل بلاده مع دول أخرى مثل الصين وروسيا، وسوف يحدد خطة ضريبية سيكون لها تأثير على معدلات الدخل والإنفاق سواء للمواطنين أو الشركات وغير ذلك الكثير من السياسات.
ويسيطر على النظام السياسي الأمريكي حزبان رئيسيان، ولكل حزب توجهه الإيديولوجي والسياسي الخاص به. الحزب الجمهوري المعروف أيضًا بالحزب القديم العظيم، هو حزب محافظ وينتمي إليه الرئيس الأمريكي الحالي ترامب والمرشح أيضا للانتخابات التي من المقرر أن تجرى الأسبوع المقبل. الحزب الديمقراطي، وهو أقدم حزب سياسي نشط، له توجه ليبرالي ويمثله في الانتخابات الرئاسية المرشح الرئاسي جو بايدن.
يتعين على كل مرشح رئاسي الحصول على 270 صوتًا في الهيئة الانتخابية، من أصل 538، ليصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة. لكل ولاية عدة أصوات انتخابية تُحدد بناء على عدد سكانها. مثلا ولاية كاليفورنيا، هي الولاية الأكثر اكتظاظًا بالسكان وبالتالي تحظى بـ 55 صوتًا انتخابيًا، في حين أن وايومنغ هي الأقل اكتظاظًا بالسكان ولديها 3 أصوات انتخابية فقط.
ولأن الانتخابات تزامنت مع الموجة الثانية لفيروس كورونا، فمن المقرر أن يدلى معظم الناخبين بأصواتهم عبر البريد. وقد يسبب ذلك تأخير في إعلان النتيجة؛ ما يعني أن الأسواق سوف تكون رهن التكهنات خلال تلك الفترة. لك أن تتخيل حالة التقلبات العنيفة التي سوف تشهدها الأسواق منذ اليوم الأول للانتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل وحتى إعلان النتيجة.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن جو بايدن هو المرشح الأقرب للبيت الأبيض، لكن من الصعوبة بمكان الجزم بأنه الفائز لا محالة. ففي انتخابات 2016 حصلت هيلاري كلينتون على عدد أصوات أكثر من الأصوات التي حصل عليها الرئيس ترامب، لكنها خسرت في تصويت الهيئة الانتخابية. كلا المرشحين سيواصلان حملتهما في الولايات "المتأرجحة" (الولاية التي لا تميل إلى أي حزب ويمكن أن يفوز بها أي حزب)؛ لا سيما وأن تلك الولايات تمثل نقطة تحول في نتائج الانتخابات. ومن بين تلك الولايات: فلوريدا، بنسلفانيا، أوهايو، ميشيغان، نورث كارولينا، أريزونا، يسكونسن، وأيوا. وجميعهم يمثل نحو 125 صوتًا انتخابيًا من أصل 538 صوتًا. وبحسب استطلاعات الرأي فإن معظم تلك الولايات تميل إلى جو بايدن وليس ترامب.
ما هو تأثير الانتخابات الرئاسية على أسواق المال؟
الانتخابات الرئاسية الأمريكية حدث هام، وبطبيعة الحال سوف تصل حالة عدم اليقين إلى ذروتها. ما يعني ضرورة الالتزام التام بإدارة المخاطر، والتأكد من استخدام أوامر الحد من الخسارة وتجنب استخدام الرافعة المالية قدر الإمكان.
الأسهم
استطاع الرئيس دونالد ترامب توفير وسيلة مناسبة للشركات لتيسير وتسهيل أداء وقنوات أعمالها، بالإضافة إلى تقليص الضرائب المفروضة عليها. حيث ارتفع سوق الأسهم إلى مستوى قياسي، ويتفاخر بتلك المكاسب، لكن لا يمكننا تجاهل السياسة النقدية الفضفاضة الإضافية التي اعتمدها الاحتياطي الفيدرالي للتعافي من الأزمة المالية، والتي كان لها تأثير كبير أيضا.
من ناحية أخرى، يخطط بايدن لرفع ضريبة الشركات مرة أخرى، ما يعني تأثر أرباح تلك الشركات وتراجع قيمة أسهمها.
أما السياسة الخارجية، فمن المتوقع أن يكون ترامب أكثر صرامة من بايدن. ما يعني تزايد حالة عدم اليقين في الأسواق وارتفاع حركة تقلبات السوق على غرار ما شهدناه قبل الوصول إلى المرحلة الأولى من صفقة التجارة بين بلاده والصين.
لكن وعلى المدى القصير – المتوسط، من المرجح أن الرئيس المنتخب سوف يقوم باعتماد خطة تحفيز مالي ضخمة لتخفيف حدة أثار فيروس كورونا على الاقتصاد الأمريكي. ومن المتوقع أن تكون داعمة لأسواق الأسهم. أيضًا، فإن الاحتياطي الفيدرالي على استعداد للحفاظ على معدلات الفائدة عند مستوياتها المنخفضة الحالية حتى 2022-2023 على الأقل، وبالتالي ستصبح الأسهم أكثر جاذبية مقارنة بالأدوات المالية الأخرى.
الدولار
ونظرًا لارتفاع وتيرة حالات الإصابة بفيروس كورونا مرة أخرى في جميع أنحاء العالم، ولا يزال أمامنا على الأقل 6 أشهر للتوصل إلى لقاح معتمد للفيروس بحسب تقديرات العلماء، فإن الاقتصاد خلال تلك الفترة سوف يحتاج إلى حوافز نقدية ومالية إضافية. بشكل عام، سوف تؤثر زيادة المعروض النقدي على قيمة العملة. كلا المرشحين على استعداد للمضي قدمًا في خطة التحفيز، مما قد يدفع الدولار إلى المزيد من التراجع والهبوط. لكن لا يمكننا تجاهل أن البنوك المركزية والحكومات الأخرى سوف تعمل على اعتماد المزيد من إجراءات التحفيز شأنها شأن الاحتياطي الفدرالي والإدارة الأمريكية.
تميل العملات والأسهم والسلع إلى حالة التقلب الكبير؛ لا سميا خلال حالة عدم اليقين والأحداث السياسية الكبرى. ورغم ذلك، يسارع المتداولون إلى التنبؤ الجيد بمجريات السوق وبحركة مسار الأدوات المالية المتداولة لأخذ مقعد في قطار الاتجاه "الترند". وفي النهاية، يمكننا القول بأن اتخاذ قرار تداول سليم مع إدارة جيدة للمخاطر سوف يؤدي إلى أفضل نتائج ممكنه.